أن حجم الحمولة النهرية يتباين كثيراً من موسم إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، وكذلك الحال بالنسبة لطبيعتها ونوعيتها. أسباب تباين حجم ونوعي...
أن حجم الحمولة النهرية يتباين كثيراً من موسم إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، وكذلك الحال بالنسبة لطبيعتها ونوعيتها.
أسباب تباين حجم ونوعية الحمولة النهرية
1-تتباين في طاقة النهر: ذلك أن طاقة النهر ليست ثابتة، فهي تزداد ازدياداً عظيماً فى بعض
الأحيان مثل مواسم الفيضان، حينما تكثر المياه وتعظم سرعتها. أن قابلية الحمل النهري
Capacity أي
مقدرته Ability على تحريك جملة الحمولة Total Load، تتباين تبعاً لما يسمى
القوة الثالثة لسرعته Third Power
of its velocity أي،
حينما تتضاعف سرعة النهر فإن قابلية الحمل تزداد ثماني مرات. ويمكن الأخذ بهذا
المبدأ على سبيل التقريب لأن الأمر يتوقف إلى حد كبير على أحجام مكونات الحمولة.
فمن السهل أن يحرك النهر المواد الرملية الدقيقة، والطمي والطين، سواء بواسطة القفز
أو بالتعلق، بينما يصعب عليه تحريك حمولة القاع من الكتل الصخرية والجلاميد.
ونادراً
ما يبلغ النهر قابلية حمولته الكية Full
Capacity أي
يصبح كامل الحمولة Loaded Fully وذلك لأسباب عدة. مثال ذلك ما نجده فى منطقة
جبلية ممزقة، ومقطعة تقطيعاً شديداً أو عميقاً، فهنا نجد قاع النهر الصغير مفروشاً
بالحصى، وبالحطام الصخري والجلاميد، وهذه المواد جميعاً تشكل حمولة النهر، لكنها
لا تتحرك من مكانها تحت ظروف الجريان المائي العادي فى النهر. وإذا ما
انعدم أو قل وجود المواد المجواه الدقيقة، فإن النهر قد لا يقوم بوظيفة النقل
ويصبح حينئذ قليل الحمولة Under
loaded أو عديمها وسبب ذلك ان
النهر، فى وقت ما يكون كفء Competent لتحريك مواد نات ثقل أقصى معلوم، يتوقف على
سرعته Velocity وقوته Power الفعلية. فإذا لم يبلغ
النهر سرعة جريانه الحرجة Critical
Velocity فإنه لا يستطيع تحريك
المواد، ومن ثم لا يستهلك طاقة النهر الحركية فى تحريك الحمولة ما لم تتوفر مواد
أخرى أصغر حجماً وثقلاً. ويحدث ذلك حينما تزداد سرعة النهر أو تكثر مياهه، كما فى
موسم الفيضان، فتصبح كفاءة النهر Competence وافية لنقل الجلاميد والكتل الصخرية
الكبيرة.
ويحدد
كفاءة النهر ويدل عليها ثقل أكبر قطعة صخرية يمكن لنهر أن ينقلها وهو فى سرعة
معلومة. وكلما ازدادت السرعة النهرية ارتفع الحد الأقصى لنقل المواد التي ينقلها، وإن
كان هذا لا يتم بنسبة مباشرة. ذلك أن كفاءة النهر تتباين تبعاً لما يعرف بالقوة
السادسة لسرعة النهر
Sixth
Power Law وهو مبدأ توصل إليه
هوبكينز W.Hopkins عام ١٨٤٢. ومؤداه أنه، حينما
تزداد سرعة النهر إلى الضعف، ترتفع كفاءته ست مرات وبعبارة اخرى حينما تبلغ سرعة
النهر الضعف، يتمكن النهر من نقل كتل صخرية يزيد وزنها ست مرات. ومن ثم فإن لكل
سرعة نهرية ما يناسبها من حد أقصى لقطع المواد الصخرية التي تنقلها.
وبالمثل
فإن لكل قطعة صخرية سرعة معلومة ينبغي أن يبلغها النهر قبل أن يستطيع تحريكها
ونقلها. ومع هذا فإن النهر حينما يبلغ سرعة كافية لتحريك قطعة الصخر، فإن حركتها
تستمر حتى ولو ضعفت السرعة بقدر معلوم. بعبارة اخرى فإن سرعة تحريك المواد تفوق
السرعة اللازمة لاستمرار تحريكها ونقلها.
ويتضح
الفرق بين السرعة اللازمة للتحريك والسرعة اللازمة لاستمرار التحريك والنقل فى
حالة الحبيبات الدقيقة. فحبيبات الطين يمكن نقلها بواسطة نهر سرعته منخفضة جداً،
لكن هذه السرعة لا تكفي اطلاقا لنحت الضفاف الطينية أو لالتقاط حبيبات الطين
الساكنة ونقلها. ومادامت الكفاءة Competence تتحدد بالسرعة، فإن قابلية الحمل (وهى
الحمولة الكلية) تتحدد بالكفاءة. ومع هذا فقد نجد نهراً بطيء الجريان (أي بكفاءة
منخفضة) لكنه عظيم الحمولة، وحينئذ لابد وأن الحمولة مكونة من مواد طينية دقيقة فى
حالة تعلق.
وشكل
مكونات الفتات الصخري ومظهره مهم ومؤثر فى كفاءة النهر وقدرته على تحريكها، وبالتالي
يصبح مبدأ القوة السادسة تقريبي جداً، ذلك أن الجلاميد الصخري حينما تكون خشنة
مسننة زاويَة، فإنها تشابك ببعضها وبقاع النهر، ويصبح من الصعب زحزحتها وتحريكها
على عكس جلاميد صخرية مستديرة ومصقولة من ذات الوزن.
3-الحمولة المتاحة:
تتباين حمولة الأنهار من حيث الحجم والنوع تبعا لنوعية الصخور فى منطقة المنابع وعلى
طول امتداداتها. فالأنهار التي تجرى بجنوب إنجلترا الذي تتكون أرضه من صخور
طباشيرية تتميز بصفاء مياهها، رغم انها تحري بقوة طوال السنة، ونتصف بقدر كبير من
الجريان المضطرب، ومثلها نهر تيست Test واتشين Itchen ومن 'الواضح أن الحمولة
العالقة لهذه الأنهار صغيرة جداً، بينما الحمولة الذائبة كبيرة، وهى مكونة من بيكربونات
الكالسيوم التي أنتجتها التجوية الكيميائية من الصخور الطباشيرية. هذا يقال أيضا
عن نهر شانون الذي يجرى بنطاق طباشيري الصخر بإيرلندا.
وتقل
حمولة القاع وحركتها فى انهار جنوب إنجلترا، مثل الصوان والحطام الصخري الخشن، رغم
وجود شواهد مثل المدرجات الحصوية النهرية وفرشات الحصى، تدل على أن النقل النهري
بالجر كان مهما فى عصر مضى وهو البلايوستوسبن، حينما كانت عمليات الانسياب الأرضي
وغيرها من عمليات هوامش الجليد Solifluxion Periglacial توفر كميات ضخمة من الحطام وتدفع بها إلى أنهار وقيعان الأودية.
وتنقل الأنهار كميات كبيرة من الغرين
والطين كحمولة عالقة، حينما تنبع وتجرى في مناطق تتألف من مكاشف صخرية طينية، مثل نهري
آرون Aran وأوسى Ouse اللذين
يجريان بإقليم الويلد Weald خاصة عقب فترة مطر طويلة، حينما تبدو المياه
بنية اللون معتمة.
4-طبيعة
الحمولة
عادة
ما تتأثر طبيعة الحمولة النهرية بالقرب أو البعد عن منطقة المنابع. ففي منطقة المجاري
العليا للنهر، تتآلف الحمولة غالباً من المواد الخشنة التي يمكن تحريكها ونقلها
بسهولة عن طريق البحر، ذلك لأن النهر فى أعاليه يصرفا مياه منطقة تتميز في العادة
بتضاريس وعرة وانحدارات شديدة، وعمليات تجوية سريعة نشطة. وبالاتجاه نحو أدنى
النهر تستدق مكونات الحمولة، وذلك بسبب عملية التفتت بالاحتكاك Attrition أي
عملية اصطدام المواد الصخرية ببعضها وبقاع النهر أيضاً، وتنقل بعد ذلك بطريق القفز
ثم بالتعلق. ويعكس هذا النقص المستمر فى احجام مكونات الحمولة بالاتجاه نحو أدنى
النهر سرعة حركة الحبيبات الدقيقة العالقة، التي يجوفها تيار النهر نحو الصب،
بينما تتخلف المواد الخشنة فى أحباس النهر العليا والوسطى.
5-عمر النهر وحوضه:
أن
المرحلة التي يكون بها النهر وحوضه من دورة التعرية تؤثر تأثيراً واضحاً فى حجم
الحمولة وطبيعتها. ففي مرحلة الشباب النهري تكون التضاريس عالية، وتتمير بمنحدرات
شديدة، وسرعة وشدة فى التجوية والتعرية، وتبعاً لذلك ترد إلى النهر حمولة ضخمة جداً
من الفتات الصخري المختلف الأحجام والأشكال.
وإذا
بقي مستوى قاعدة التعرية النهرية ثابتاً، بينما انخفضت التضاريس وتضاءلت
المنحدرات، لتنتهي البيئة الطبيعية إلى مرحلة الشيخوخة، فإن جملة الحمولة التي ترسبت
إلى النهر تتناقص إلى حد كبير، وتتألف حينئذ من حبيبات دقيقة للغاية، تتحرك نزلاً
بالتعلق مع تيار المجرى البحري إلى المصب.
هذا
وقد احصيت كميات الراسب التي يحملها نهرا لنيل، والتي كانت تمر عند وادي حلفا بنحو
100 مليون طن كل سنة، منها نحو 30 مليون طن من الرمال الدقيقة، وحوالي نفس القدر
(٣٠ مليون طن) من الصلصال، والباقي (40 مليون طن) من الغرين، وقد اشتقت معظم هذه
المواد من تعرية الصخور البركانية فى هضبة الحبشة، وهى غنية بالمعادن التي عملت
على تخصيب الارض الزراعية المصرية، وتجديد خصوبتها كل عام، حينما كانت تنتثر فوقها
مع مياه كل فيضان. وينقل نهر المسيسبي كل سنة حمولة من الرواسب تقدر بنحو ٣٤٠
مليون طن من المواد العالقة، و400 مليون طن عن طريق الجر (حمولة القاع)، وحوالي
١٣٦ مليون طن من المواد الذائبة.
تعليقات