لقد شهد الفكر الجيومورفولوجى في العصور الوسطى تطوراً ملفتاً من جانب العلماء الأوربيين والعلماء المسلمين والعرب. المحتويات: 1- ...
لقد شهد الفكر
الجيومورفولوجى في العصور الوسطى تطوراً ملفتاً من جانب العلماء الأوربيين
والعلماء المسلمين والعرب.
المحتويات:
1- الفكر الجيومورفولوجى عند
الأوروبيين.
2- الفكر الجيومورفولوجى عند
العلماء المسلمين والعرب.
عند
الاوربيين
على الرغم
من هذه البدايات الواعدة في تطور علم الجيومورفولوجيا عند القدامى فإن بناء صرح
هذا العلم قد استمر بعد ذلك فيما يزيد على ألف سنة. وما من شك في أن جذوره تتواجد
فيما تركه الأقدمون من حصيلة علمية قيمة، لا فيما تركه باحثين العصور الوسطى التي
امتدت حتى القرن الخامس عشر، تلك العصور التي أظلمت علميا، وتوقف أثنائها البحث في
العلوم الطبيعية أو كاد. ومع أن الأقدمين قد اتبعوا مناهج ووسائط بحث قيمة،
كالدراسة المقارنة والبحث عن السبب ومعرفة الاصل والعلة، مستندين على حصيلة الملاحظة
الد قيقة والمشاهدة المدققة، فإننا لا نجد فيد تركوه من تراث علمي اية محاولة
واضحة للكشف عن البناء الجيولوجي، وعن فكرة التطور. ومن الممكن أن ندخل القوى التي
اقترحوها لأصل نشأة الأشكال الأرضية ضمن نظرية الطفرة Catastrophisni أي التغير المفاجئ لتضاريس سطح الأرض.
ومع ذلك
فإننا لا يبغى ان نقلل من قدر دراسة جغرافية البلدان التي قام بها كل عن هيكاتيوس Hekataeus ، وهيرودوت، ويثياس Pvtheas (القرن الرابع قبل الميلاد -جغرافى وملاح وعالم فلك يوناني ارتاد شواطئ أوروبا الأطلسية) ويولايبيوس Poly bius (مؤرخ وجغرافي يوناني عاش فيما بين (0٠ ٢ -١٨
١ ق.م)، واسترابو. لكن كانت ينقص هؤلاء جميعاً الخريطة الجغرافية، التي تصلح للدراسات
الجيومورفولوجية.
ويمكن
القول بأن المعرفة الجيومورفولوجية الحقيقية عند هؤلاء الأقدمين، تتواجد على
الخصوص في المحيط العام الذي يضم المعارف الطبيعية، في مثل أسفار أرسطو، على وجه
التحديد كتابه الميتورولوجيا، وفى مؤلف استوابو» الجغرافيا. وفى الكتاب الثاني من
مؤلف بلينيوس التاريخ الطبيعي. وفى كتاب «المسائل الطبيعية. للعالم سينيكا. وكل
هذه المؤلفات تعتبر، دوائر معارف للجغرافيا الطبيعية عند هؤلاء العلماء القدامى.
وقد
اقتصرت الجغرافيا الطبيعية في العصور الوسطى على الاقتباس من معارف الأقدمين
وأفكارهم، إضافة إلى الاعتماد على ما جاء في الانجيل من معرفة طبيعية، كانت تعتبر
كاملة صادقة لا تقبل الجدل. ولهذا فإن فكرة التطور لم تكن مقبولة، بل لم يكن يسمح
بإعلانها فضلأ اعتناقها والأخذ بها في الدراسات الجغرافية الطبيعية.
وفى
العصور الوسطى ساد الاعتقاد بالاختلاف في مناسيب البحار، وإن كان لبعض قد نادى ولو
نظريا بخطئه مثل ألبرت الكبير
Albertus Magnus (1200-٢٨٠ ١ م) الفيلسوف اللاهوتي
الألماني. وحظيت فكرة اتصال الأنهار الجوفية بالأنهار السطحية بالانتشار، كما أضحت
فكرة اعتبار مياه الجنة منبعا لكل الأنهار مقبولة. لكن عادت المعتقدات القديمة
الخاصة بتغذية البحار والمحيطات بالمياه، إلى الظهور والشيوع بالتدريج مرة أخرى،
إضافة إلى إحياء الأفكار الأخرى الخاصة بالمجاري الباطنية، والى ما ذكره ألبرت
الكبير من تبخر مياه البحار، وسقوط الأمطار، ونفاذ مياه إلى جوف الأرض، وتجمعها في
مخازن جوفية كبيرة، وظهورها على السطح في عيون وينابيع.
ودون خوض في
ذكر تفاصيل معارف الجغرافيا الطبيعية في العصور الوسطى في اوروبا يمكننا اختيار
مؤلفين يمثلان تلك العهود المظلمة الطويلة. الأول اسودورس بعبالينسيس Jsidorus Hispalensis
وهو مجرد جامع للمعلومات
الطبيعية، خصص سبعة أجزاء من مؤلفاته العشرين لذكر المعارف الشائعة والخاصة
بالهيدروجرافيا، واليابس،
والجزر، والجبال، والبراكين، والزلازل. اما الثاني فهو ألبرت الكبير الذي يعد
باحثا أعمل الفكر في تفسير الظواهر والأشكال الأرضية، وإن تشابهت تفسيراته في
معرفة أصل النشأة مع تفسيرات الأقدمين، فالجبال المنفردة من خلق الزلازل. والجبال
عنده على أنواع منها الصخري الصلد، ومنها المكون من التوفا، ومنها الحصوي التركيب
المحتوى على أصداف وقواقع مما يدل على بنائه البحري. وهنا يعتقد ألبرت الكبير
بوجود دورة للغلاف المائي حول الكرة الارضية، سببها حركة النجوم في السماء; وهي
الأصل في تشكيل سطح الأرض. فالجبال والوديان انعكاس لتبادل تكوين البحار وزوالها.
ولعل في هذا ايحاء بعمليات الهبوط والارتفاع في قشرة الارض.
عتد العرب
والمسلمين
ترجم
العرب التراث الغرقى القديم، واستوعبوا كل ما جاء فيه، وأضافوا إليه وشرحوا بعض التطبيقات
والأمثلة العملية. واشتهر من بين الباحثين في الجغرافيا الطبيعية: المسعودي وإخوان
الصفا في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والكرخى والبيرونى وابن سينا في
القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). وقد تضمنت المعلومات التي ذكرها هؤلاء
العلماء الكثير من الأفكار الخاصة بأشكال سطح الأرض، والتغيرات التي تحدث بالسواحل
نتيجة للتبادل بين اليابس والماء، والجبال الق تنشأ عن الحركات الباطنية التي تسبب
الزلازل والبراكين وتدفق المياه الباطنية وانبثاقها في هيئة عيون وينابيع.
فقد نقل المسعودي
المؤرخ والجغرافي العربي المتوفى سنة ٩٥٦ م (صاحب مروج الذهب ومعادن الجوهر) عن
كتاب المنطق لأرسطو فكرة التغير والتبادل بين اليابس والماء، فلا البحر يبنى بحرا
دائماً، ولا اليابس يدوم يابساً، وذلك لصب الأنهار فيها وانقطاعها عنها. وطبق هذا الرأي
على بلاد العراق مبيناً أثر نهري الدجلة والفرات، وما يجلبانه من كميات ضخمة من
الرواسب، في ظهور أراضي جديدة. كما أوضح تغير مواضع الأنهار أثر هذا التغير في
اختلاف مواضع العمران، وذلك حينما ذكر أنتقال مجرى نهر دجلة من موضع لآخر شرقي
بغداد، وأشار إلى تعمير أمكنة وخراب امكنة اخرى بسبب هذا الانتقال.وقد كتب
إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري إي العاشر الميلادي) رسائل مشهورةفي مختلف
ألوان المعرفة، واحتوت تلك الرسائل الكثير من أفكار الاغريق والرومان ومن بينها
أيضا التبادل بين اليابس والماء٠ فالبحر يصير يابساً بما يرد إليه من رواسب
تحملها
إليه الأنهار، فتتراكم على قاعه، وبمرور الزمن يعلو هذا القاع مكونا جبالاً وتلالاً،
وبذلك ترتفع المياه في البحر وتعلو، وتطغى على اليابس الذي يصير بحرا.
ويظهر في
القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) محمد بن الحاسب الكرخى، الذي ألف كتابا
اسمه أنماط المياه الخفيفة وفيه يشرح كيفية استخراج المياه الجوفية. وفى مقدمة
كتابه وصف للأرض، ويذكر فيه أن بها حركات دائمة، يترتب عليها انهيار الجبال،
وتفتيت موادها، ونقل تلك المواد بواسطة المجاري المائية، وإرسابها في أماكن أخرى،
حيث تجتمع، فتتحرك الأرض طلبا للمساواة والتعادل، فتتغير لذلك عروض البلاد، ويكون
ذلك سبباً في انتقال البحار، وظهور عيون، واختفاء عيون أخرى، ويكون ذلك كله بالتدريج.
وفى هذا الحديث افكار واضحة عن دورة التضاريس والتوازن الأرض.
ويعالج
ابو حيان البيروني الصلة بين اليابس والماء بأمثلة واضحة، حينما يذكر أن شمال الجزيرة
العربية كان جزء من البحر، وأدلته على ذلك واضحة تتمثل فيما ذكره من العثور على
مستحجرات (حفريات) بحرية عند حفر الآبار (أصداف وودع). أو حينما يؤكد أن سهول
الهند كانت بحراً قديما ملأته الرواسب الضخمة التي تأتى بها الأنهار، بل إنه وصف
التصنيف الإرسابى لتلك الأنهار حسب أحجام الرواسب في المجاري العليا والوسطى
والدنيا.
ما أبو
على الحسين بن سينا فقد كان عالما طبيعيا كما كان حاذقاً في الفلسفة والطب. ولا يكاد يخلو كتاب جيومورفولوجى من ذكر ابن سينا ضمن الرواد الأوائل
الذينوضعوا الأسس في صرح هذا العلم وقد عالج ابن سينا ظواهر جيومرفولوجية متعددة، منها كيفية تكوين الجبال: فقال إن بعضها ينشأ عن عمليات باطنية رافعة كتلك التي
تصاحب الزلازل؛ وهذه تحدث دفعة واحدة، وبعضها الآخر ينشأ نتيجة لفعل المياه الجارية
والرياح، وهذه تحتاج إلى وقت طويل لتشكيلها، مما يدل على أن هذا الرجل كان واعياً
بمبدأ التطور المتدرج البطيء للأشكال الأرضية التي تنجم عن فعل عمليات التعرية.
وقد أدرك
ابن سينا فكرة التتابع الصخري في هيئة طبقات متفاوتة الاعمار، وأشار الى الوقت اللازم لتحول الرواسب المفككة اللينة إلى صحر صلب، كما استخدم
الحفنات البحرية للدلالة على التغير والتبادل بين اليابس والماء.
المصادر والمراجع:
جودة حسنين جودة: (2002) الجيومورقولوجيا علم أشكال سح الأرض - دار
المعرفة الجامعية - الفصل الأول موضوع الجيومورفولوجيا وتطور الفكر الجيومورفولوجي.
تعليقات